في إيران.. من حقك أن تُنجبِي لكن على مسؤوليتك!
في إيران.. من حقك أن تُنجبِي لكن على مسؤوليتك!
دفعت السياسات السكانية المتشددة والأزمات الاقتصادية المتلاحقة في إيران حياة ملايين النساء نحو حافة الانهيار، وسط دعوات حكومية متكررة لما تسميه "النمو السكاني" وإصرارها على إعادة المرأة إلى دورها التقليدي كأم وربة منزل.
وفي المقابل، تواجه النساء الإيرانيات واقعًا مغايرًا تمامًا، إذ حرمن من حق الاختيار في ظل البطالة وانعدام الأمن الوظيفي وارتفاع الأسعار، ما جعل الأمومة ترفًا طبقيًا لا قدرة لمعظم الأسر على تحمله، بحسب ما ذكرت شبكة “إيران إنترناشيونال”، اليوم الاثنين.
وذكرت تقارير حقوقية أن الحكومة الإيرانية تواصل تسويق سياسات تهدف إلى زيادة معدلات الولادة، في وقتٍ يعاني فيه المجتمع من انهيار اقتصادي غير مسبوق.
وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن معدل البطالة بين النساء الإيرانيات تجاوز 20% خلال العام الماضي، في ظل نقص حاد في التأمين الصحي وارتفاع تكاليف المعيشة والسكن.
وتوضح ناشطات نسويات أن السلطة تسعى إلى فرض رؤية دينية محافظة على المجتمع، لكنها في الوقت نفسه تترك النساء يواجهن أعباء المعيشة وحدهن دون أي دعم مؤسسي.
الأمومة الممنوعة
تعيش نساء الطبقتين الدنيا والمتوسطة مأساة مزدوجة، إذ تُطالَب المرأة بالإنجاب وتُدان في الوقت ذاته إن هي لم تفعل، فالإجهاض غير قانوني، والحليب الصناعي والحفاضات تُعد سلعًا باهظة الثمن، والتأمين الصحي محدود، وإجازات الأمومة تضع الموظفات تحت خطر الفصل من العمل.
وفي هذا السياق، يتحول قرار الإنجاب إلى عبء اقتصادي ونفسي أكثر منه خيارًا شخصيًا، لتصبح الأمومة "خسارة مالية" كما تصفها بعض الإيرانيات العاملات في القطاع العام.
وترى باحثة علم الاجتماع في جامعة طهران، نازنين كاظمي، أن "الدولة تُقدّس الأمومة خطابًا وتُعاقبها ممارسةً"، مؤكدة أن السياسات الحالية جعلت الحمل والولادة مخاطرة اقتصادية للمرأة، في ظل غياب خطط واضحة لتربية الطفل أو حماية الأمهات في سوق العمل.
صمت ووصم اجتماعي
أجبرت الضغوط الاقتصادية والسياسية النساء على الصمت أمام مجتمعٍ لا يعترف بحقهن في الاختيار، إذ يواجهن نظرات اتهام إن لم يُنجبن، ويُنظر إليهن كناقصات الدور أو متمردات على "الطبيعة الأنثوية".
وتروي ناشطة اجتماعية في طهران أن العديد من النساء يعشن في صراع داخلي بين رغبة الأمومة والخوف من الفقر والعزلة الاجتماعية.
وفي المقابل، تُواصل السلطات عبر الإعلام الرسمي وخطب رجال الدين تمجيد دور الأم كرمز وطني وديني، دون أن توفر البنى اللازمة لحماية هذه الأم.
وتشير دراسة صادرة عن مركز الأبحاث الاجتماعية الإيراني إلى أن 67% من النساء اللاتي لم يُنجبن حتى سن الأربعين صرحن بأن السبب اقتصادي بالدرجة الأولى، وليس خيارًا شخصيًا.
الجسد كرهينة سياسية
حوّلت السياسات السكانية المتناقضة جسد المرأة الإيرانية إلى رهينة بين شعارات "النمو السكاني" وواقع الفقر والحرمان، فالقوانين التي تُروَّج على أنها داعمة للأسرة مثل "قانون حماية الأسرة والشباب" تُستخدم عمليًا كأداة للسيطرة لا للدعم، إذ تُقيّد وصول النساء إلى خدمات الإجهاض والرعاية الصحية وتفرض قيودًا على وسائل تنظيم الأسرة.
وتوضح الباحثة في الشؤون الجندرية ليلى جمشيدي أن الحكومة "تسعى لزيادة عدد السكان كهدف استراتيجي سياسي وديني، لكنها لم تُقدّر التكلفة الاجتماعية المترتبة على ذلك".
في هذا السياق، أصبحت الأمومة امتيازًا طبقياً لا تناله إلا نساء الطبقة الغنية اللواتي يملكن موارد كافية لتغطية النفقات، بينما تحولت نساء الطبقات المتوسطة والدنيا إلى ضحايا منظومة تعيد إنتاج العنف الهيكلي باسم الدين.
قصص من الواقع
تقول أريزو ف.، وهي موظفة متعاقدة في مؤسسة حكومية شبه عامة: "لا أستطيع حتى سداد قرض المنزل، فكيف أنجب طفلاً؟ يُقال إننا نتهرب من المسؤولية، لكن الحقيقة أننا مرهقون".
وتروي مهسا خ.، وهي معلمة أربعينية، أنها لم تفكر يومًا في الحمل خوفًا من فقدان عملها في أي لحظة أو من عجزها عن دفع الإيجار نهاية الشهر.
هذه القصص تتكرر في مدن عدة من طهران إلى أصفهان وتبريز، حيث تعيش آلاف النساء في حالة من العجز المفروض، بين واقع اقتصادي منهار وسلطة لا تعترف بحقوقهن كأمهات أو كمواطنات كاملات الحقوق.
نظام أبوي وأزمة حقوقية
تُظهر دراسة أجراها معهد الدراسات النسوية في جامعة شيراز أن السياسات الإيرانية خلال العقود الأربعة الماضية عمّقت الفجوة الجندرية بدل تقليصها.
فالدولة التي تصف الأمومة بأنها "شرف المرأة المسلمة" حرمت ملايين النساء من تحقيق هذا الشرف، لأنهن لا يمتلكن ما يكفي من المال أو الأمان للقيام به.
وفي النهاية، تُختزل المأساة في معادلة مؤلمة: في إيران، لا تُحرم النساء من الأمومة فقط، بل يُحرمن من الحق في الحلم بها، فالجسد الأنثوي لم يعد ملك صاحبته، بل صار مجالاً تُمارس عليه السلطة سيطرتها الصامتة، لتتحول الأمومة من حق طبيعي إلى حلم مؤجل في وطنٍ يصادر حتى الغرائز الأمومية باسم الإيمان والسياسة.